عمرو سعدالدين
السفينة مكان خارج السياق المعتاد، عائم متماوج، للوصول إلى الأرض أو إلى “اليابسة” التي اسمها غزة. هذا ما يقترحه أسطول سفن إنساني متكامل يحمل اسم “حرية”. تسع سفن من تركيا واليونان وايرلندا والجزائر والكويت وماليزيا وبريطانيا والسويد، لكسر الحصار عن فلسطين في غزة. قرابة 750 متضامنا من بلدان العالم، يبدو أن أكثرهم من تركيا (500 شخص بحسب أحد التقارير) ومن اليونان (150 شخصا)، وعدد من النواب تراوحت أعدادهم بين 14 و44 نائبا ورسميا ديبلوماسيا غربيا وعربيا، وتشكل شبه غطاء رسمي تركي لهم. الأسطول بمبادرة من مؤسسة “حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية” التركية إلى جانب مؤسسات أخرى مثل الحملة الأوروبية لكسر الحصار (مقرها بروكسل) وحركة “غزة حرّة”. جميعهم ليسوا على “يابسة” هذا العالم، بل محمولين على البحر، في مكان لا ثابت بل متموج في طريق بطيء، مفتوح على فعل متحرك وعلى الحلم وسط القلق، يشبه الفلسطيني الذي تهتز الأرض دوما تحت قدميه مهما حاول الوقوف فوقها بثبات.
انطلقوا من الميناء. هم فوق البحر الآن. يمكن الإقتراب ومحاولة تخيّل الأجواء. كيف يمكن تخيّل أجواء سفينة الحرية؟ كيف يشعر ويفكر من هم عليها والقادمون من العالم؟ الصور التي تأتي وتكبح الخيال هي صور سفن وقوارب تغادر؛ تغادر فلسطين أو تغادر بيروت إلى شتات متجدد. قوارب صغيرة على ميناء يافا، والناس يتجمعون بسرعة وركضا وخوفا ليركبوا في السفن ويبحرون عن يافا، وعن بيوتهم رويدا رويدا في بحر صيفي لأيار من العام 1948. ثم تأتي صور سفن كبيرة محملة بالمقاتلين الفلسطينين تغادر بحر بيروت بعد الاجتياح الاسرائيلي العام 1982. أو سفن هي بارجات أميركية واسرائيلية تقصف بيروت. و”سفينة نوح” لرسام الكاريكاتور ناجي العلي متوقفة قبالة الشاطئ اللبناني لتحميل اللاجئين الفلسطينيين أزواجا أزواجا. وصور سفن “الموت” التي تقلّ المهاجرين العرب الفقراء نحو موانئ أوروبية. سفننا تغادر هربا. ومخيم نهر البارد غادرته قواربه وميناؤه. جرى إقفال ميناء الصيادين في نهر البارد “لأسباب أمنية”، وتحويلهم بشكل دائم إلى ميناء العبدة شمالا. وما زال كثير من صيادّي نهر البارد لا يحملون بطاقات شرعية للصيد، فقد يكون الصيد مهنة سيادية..