شـر البليـة مـا يضحـك؟ دليل القوانين والإجراءات الرسمية في مخيم نهر البارد

اسماعيل الشيخ حسن

جريدة “السفير”- 12 أيار 2010

يقولون إن التراجيديا + الوقت = كوميديا

حين يتكلم أهالي مخيم نهر البارد، يتفقون مع المراقبين والعاملين والناشطين فيه على أن المشهد فيه أصبح أشبه بمسرحية كوميدية هزلية. فعلى الرغم من عدد العرائض والرسائل والتقارير التي رفعت حول أوضاع المخيم، وعلى الرغم من عدد التحركات الشعبية والتظاهرات التي نظمت، وعلى الرغم من الإلحاح في مطالبة الرسميين بالتحرك، إلا أن أوضاع المخيم تبقى على حالها

وليست المشكلة بنقص التمويل أو بوجود تحديات تقنية – أبدا – بل ان أساس المشكلة يكمن في السياسة التي تتبعها الدولة اللبنانية إزاء المخيم، وذلك على كل مستويات الدولة: التنفيذية منها والتشريعية والعسكرية الموكلة بملف الإعمار، بما في ذلك الوزارات والدوائر الحكومية واللجان والمسؤولون والقيادات والمستشارون

ثلاث سنوات مضت وليس هناك ما أعيد إعماره باستثناء أعمدة وأسقف الطوابق الأولى لثلاثين مبنى من أصل 1900 مبنى. والإعمار «الجاري» معطل ومؤجل ومؤَخَر بسبب «باقة» من القوانين والإجراءات والتعقيدات والبيروقراطيات الشائكة. في غضون ذلك، تنْفُذْ معونات الأونروا المخصصة كبدل إيجارات لثلاثين ألف نازح ما زالوا ينتظرون حتى اللحظة إعادة إعمار بيوتهم. كما يستمر منع أهالي المخيم من الدخول إليه ومن إعمار منازلهم بأنفسهم، أو حتى من نصب خيم فوق أراضي بيوتهم. وهم أيضا ممنوعون، بسبب الحصار الأمني والعسكري القائم منذ ثلاث سنوات حول المخيم وفي محيطه، من ممارسة أعمالهم وتجارتهم وأي شكل من أشكال حياتهم اليومية بشكلها… الطبيعي

من مخيم نهر البارد /علي علوش؛ السفير


والمحزن أكثر، وسط هذا كله، هو أنه حتى إذا تغيرت سياسة الدولة من ملف نهر البارد وأعطي الضوء الأخضر للبدء بالإعمار فوار وبأسرع وقت، فإن بناء تلك الكتلة العمرانية الهائلة سيستغرق نحو ثلاث سنوات إضافية. أما إذا استمر العمل بالوتيرة الحالية، فمن المستحيل الانتهاء من إعمار نهر البارد قبل خمس سنوات من اليوم. وعلى امتداد هذه السنوات كلها، يستمر أهالي المخيم في الاعتماد على معونات الإغاثة وبدلات الإيجارات التي تختفي مواردها يوماً بعد يوم
وبعد مرور ثلاث سنوات على هدم المخيم، وهي الفترة التي كانت محددة أصلاً لإنجاز الإعمار، تعلن الأونروا عن انتهاء موارد تمويل بدلات الإيجار التي كانت تكلفها سنويا قرابة ستة ملايين دولار
ويبدو أن المسؤولين عن ملف الإعمار في الدولة اللبنانية لا يكترثون لهدر هذه المبالغ الطائلة من الأموال نتيجة تأخيرهم لعملية لإعمار، ويستمرون في ممارساتهم البيروقراطية وفي المماطلات غير اللازمة والتي من الممكن تفاديها
كل ذلك لسبب بسيط جداً مفاده أن الدولة اللبنانية ليست من يسدد الفاتورة المادية، بل تفعل ذلك الدول المانحة. أما الفاتورة اليومية؛ السياسية، والأمنية، والمادية، والاجتماعية والإنسانية، فيسددها سكان مخيم نهر البارد وحدهم معلقّون في المجهول
ويبدو أن الأولية الأساسية لدى جميع المسؤولين اللبنانيين هي: إحلال القانون (العنصري بحق الفلسطينيين) ضمن الحالة الأمنية العسكرية القائمة (وبغض النظر عن الضرورات الإنسانية في حالة ما بعد الحرب)اليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات على هدم المخيم وبقائه على حاله، آن أوان الاعتراف بوجود مشكلة جذرية تتعلّق بآليات إعمار المخيم، وبالسياسة التي تتبعها الدولة إزاء نهر البارد. أما الشيء الوحيد الذي يُبنى اليوم، فهو نموذج سلبي إضافي للعلاقة بين الدولة اللبنانية المستضيفة وبين اللاجئين الفلسطينيين على أرضها
يجد أهالي البارد أنفسهم اليوم عالقين في مكان ما بين القانون وبين اللاقانون، بين المخيم وبين اللامخيم. وأصبحوا يصفون وضع المخيم قبل هدمه بالجيد جداً، على الرغم مما كان يعاني منه من فقر ومشكلات عمرانية واجتماعية وسياسية، ناهيك عن الشتات الذي كان يطوي آنذاك عامه الستين
«على الأقل حينها، كان فلسطينيو نهر البارد، الذين يعانون من التمييز على كل الأراضي اللبنانية (إلا داخل المخيمات طبعا)، قادرين على التحرّك لتحسين أوضاعهم المعيشية». أما اليوم – وبعد إعلان الدولة عن «سيطرتها» على المخيم، فهي ليست فقط عاجزة عن حل مشاكله ومعالجة قضاياه – بل الأهم هو أنها تمنع أهله، عبر قوانينها وإجراءاتها، من التعامل مع أوضاع المخيم ومن الوقوف مجدداً على أرجلهم
هكذا، يضيع المخيم، ويضيع الهدف، وتتفتت القضية ويطغي ضباب «المجهول» على كل أهله. فلا نعرف ماذا نفعل، أو لمن نتوجه، أو أين أو كيف، ولمن نوجه اعتراضاتنا؟ ليس أمامنا غير أنفسنا. فنتشاجر ونتحارب داخل «قفص» نهر البارد. ونعترض على كل شيء، حتى يكاد الاعتراض يصبح واحدا من آخر أشكال المقاومة الذي نعرفها ونمارسها اليوم
مسؤولية الفلسطينيين
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يمكن تجاهل وجود مسؤولية فلسطينية عما جرى ويجري في نهر البارد. ماذا سيسجل التاريخ للقيادات الفلسطينية حول دورها ومسؤوليتها في رفع الخطر عن المخيم وفي الدفاع عنه؟ كيف ستقيّم قدرة المسؤولين الفلسطينيين على تخطي الانقسامات وتجاوز التفتت السائد على المسرح الفلسطيني في ما يخص ملف نهر البارد؟ أين القرار بوضع آليات حقيقية لمشاركة أهالي المخيم بصياغة استراتيجية ورؤية للمخيم في مواجهة المشاريع الفوقية، السياسية منها والأمنية والعمرانية؟
وفي ظل «غياب» الرؤية الفلسطينية، ما هي مسؤولية اللاجئ والمجتمع المدني الفلسطيني حيال هذه التحديات الداخلية والخارجية؟
مع غياب المشروع المحلي، يصبح مشروع الدولة، الفوقي والأمني، هو الوحيد القابل للحياة، وذلك في سائر المخيمات الفلسطينية، استنادا إلى «نموذج» نهر البارد
وتفتقر التحركات الفلسطينية المواجِهة (والتي يدعمها ناشطون لقضية نهر البارد من المجتمع المدني اللبناني) إلى استراتيجية طويلة المدى، مما يرغمها على مواجهة الأحداث الآنية بحلول مؤقتة.. وتبقى معظم الاستراتيجيات المحلية الهادفة إلى مواجهة المشروع الفوقي – وعلى الرغم من إنجازاتها – عرضة للتفتيت من الداخل
من أهالي البارد وإليهم
وبما أن قضية نهر البارد لا ينقصها كتابة تقرير فني إضافي، أو رسم خريطة إعمار، أو المطالبة بحقوق أهالي المخيم، ونقل همومهم عبر الإعلام على أمل أن يخجل أحد المسؤولين من هذه الكارثة ويقرر أن يغيّر شيئاً، خُيل لي أنه من الأجدى اليوم – على الأقل – أن أكتب رسالة من أهالي نهر البارد وإليها. ولتكن كوميدية تتشبه بالواقع، تستند إلى القول الشائع: «شر» البلية ما يُضحك. رسالة تقول

تحية طيبة وبعد
بعد تدمير المخيم (والحمد لله) ودخول سلطة القانون إلى نهر البارد (أخيراً)، أحببت أن أشارك أهلنا في المخيم بلائحة القوانين والأنظمة التي تخص مخيمهم. وكبادرة حسن نية، يتعين علينا كلاجئين صالحين أن نساهم بأنفسنا في تطبيقها، وتعميمها
وأقدّم في ما يلي «دليل الالتزام بالقوانين والإجراءات الرسمية في مخيم نهر البارد»، راجيا كل أهالي المخيم الالتزام ببنوده تحت طائلة المسؤولية
ملاحظة: هذا الدليل مفيد لأهالي المخيمات الأخرى في لبنان، استباقا لبدء تطبيق هذه الأنظمة فيها وبأقرب وقت ممكن إن شاء الله
أولاً: يمنع الفلسطيني (منذ حزيران 2007 وإلى اليوم) من الدخول إلى مخيم نهر البارد، وذلك حماية لمدينة أرتوزيا التاريخية من السرقة. وحماية لأهل المخيم حتى لا تنفجر في وجوههم ألغام «فتح الإسلام» والقنابل التي لم تنفجر خلال الحرب. ولا يسعنا إلا أن نعرب عن احترامنا الكبير لكل المسؤولين والعسكر والعاملين الدوليين الذين يغامرون بحياتهم وهم يتمشون يومياً فوق أنقاض المخيّم على الرغم من المخاطر، وذلك على امتداد السنوات الثلاث الماضية
كما أننا لن ننسى توجيه شكر خاص للشركات التي واظبت خلال السنوات الماضية على نزع كل تلك الألغام وإزالة الركام مقابل مبالغ زهيدة (كلفت تلك العمليات ما يفوق السبعة عشر مليون دولار. والجدير بالذكر أن تكلفة إزالة متر مكعب من الركام عادة يتراوح بين ثمانية وعشرة دولارات. بينما وصلت الكلفة إلى سبعة وعشرين دولارا للمتر المكعب في مخيم نهر البارد
ثانياً: يمنع الفلسطيني من استرداد متعلّقاته من منزله المهدم

وقد سمح لكل عائلة في نهر البارد بالدخول، ولمرة واحدة فقط، لمدة تتراوح بين الساعة والنصف ساعة، إلى المخيم قبل جرفه. وتم بذلك تحت أنظار (وحماية، طبعاً) العسكر (تحسبا لوجود عنصر «سوبر» من تنظيم «فتح الإسلام» ما زال على قيد الحياة، مختبئاً تحت أطنان الأنقاض وينتظر للهجوم على أبناء المخيم). وبالطبع نحن لا نحتاج لأكثر من نصف ساعة للبحث عن ممتلكاتنا ووثائقنا ومجوهراتنا وصورنا وعفشنا و و و ….، واستردادها، فنحن أساساً لم نكن نمتلك شيئاً ومن المستحسن لنا كلاجئين، أن نعيش في حالة المؤقت، وألا نتمسك بالممتلكات المادية، فهي عنصر خطير من عناصر التوطين يلهينا قطعا عن قضيتنا الأساسية، فلسطين

أما الوثائق فهي سهلة الاستبدال، وخصوصاً بالنسبة للفلسطينيين، الذين يتم إرسال وثائقهم الجديدة عبر شركة للبريد السريع، وتطلب من موقع «الأمن العام» الالكتروني (website) أو يمكن حتى طلبها مباشرة عبر رسالة نصية من خلال الهاتف الجوّال (SMS)
– ثالثاً: تمنع تسمية المنطقة المتاخمة للمخيم بـ«مخيم» أو بـ«المخيم الجديد». نشكر المسؤولين في الحكومة اللبنانية وفي الجيش لتوضيحهم للمفاهيم. فالمخيم هو فقط ما حدّدته الحكومة والأمم المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، عندما كان نهر البارد يضم ثلاثة آلاف شخص، وهو، بالطبع، غير قابل للتطوير، أبدا
والمخيم هو عبارة عن رقعة على خريطة، وليس قضيّة وحالة سياسية. ومن المؤكد أن الكاتب أمين معلوف كان مخطئاً عندما قال إن «كل بيوتنا خيم حتى وإن صنعت من حجارة». فما المشكلة؟ لما لا نقبل بعض التطورات والتحديث في المفاهيم في نهر البارد؟ فها هو وسط بيروت قد أصبح داون تاون
رابعاً: يمنع الفلسطيني من إعمار بيته في نهر البارد
لا يمكننا دائما فهم كل الإجراءات والقوانين المعمول بها. علينا أحياناً أن نثق ثقة عمياء بمن هم أعرف منا تقنيا وأعلم منا قانونيا. فمن المؤكد أن هناك أسبابا منطقية تصب في مصلحة الناس وراء هذا الإجراء

يجب أن نثق بالمنطق الذي يستدعي بقاء المخيم منطقة عسكرية مغلقة، يراقب فيها رجال الأمن المستنفرون شركات المقاولات التي تنتظر تمويلاً بطيئاً، وعمّال آثار يبحثون جاهدين عن بقايا أرتوزياإن إعمار المخيم عملية معقدة تقنياً وفنياً، لذلك فمن الأفضل عدم إرباك نازحي البارد والضغط عليهم وحملهم على إعمار بيوتهم بأنفسهم. فلندعهم «يصيّفون» في البركسات الحديدية ويستمتعون بتناول طيّبات «الإعاشة» متابعين برامج الشرطة المجتمعية «الثقافية والترفيهية». ولضخامة التمويل المخصص للإعمار، وبما أنه «أجنبي» لا يؤثّر على خزينة الدولة، فلا بأس في أن يسلم المقاولون الأساسيون المشروع لمقاولين آخرين باطنيين، وباطن باطنيين، وبأسعار أقل بنسبة 30% من المشروع الأساسي

ملاحظة: يمكن أهل المخيم العمل في أسفل سلم الباطن باطنية كعمال. بينما يمنع صاحب البيت من إعمار بيته بنفسه ولا يحق لفرق المقاولات المحلية المشاركة في المناقصات (المناقصات تُلَزَم للشركات «المصنفة» رسمياً فقط)

خامساً: يمنع استخدام أي تمويل لإعمار البيوت المتاخمة للمخيم (المعروفة أيضاً بالنعوت التالية: «تمدد المخيم» – «المخيم الجديد» – «نيو مخيم» – «المنطقة المجاورة» – «أراضي بلدية المحمرة» – إلخ…
وذلك البند مخصص لمعاقبة الخارجين عن القانون من أهل نهر البارد الذين لم يحترموا قانون منع الفلسطينيين من شراء وتسجيل أراض في لبنان، فاشتروا أراضي بنوا فوقها بيوتهم! وهكذا يجب منع أي تمويل يهدف إلى إعمار هذه البيوت تجنبا لخرق القانون اللبناني

ولا يسعنا جميعا إلا أن نشكر المسؤول الفني في وحدة إعمار مخيم نهر البارد، على تفانيه في منع وصول أي تمويل لهذه البيوت بكل الوسائل ممكنة. كما أنه، بفضل جهوده، سيُستثنى من الإعمار حتى الشقق المهدمة ضمن مباني قائمة

كما نهنــئه على محاولاته الهـــادفة إلى تحويل التمويل الآتي لمنطقة المخيم الجديد، إلى مشاريع بنى تحتية «قانونية» تخدم فـــــوق ألف مبنى قائم، غير مهدم، وغير قانوني طبعاً، لأنه ممنوع على الفلسطيني تملك أراضي في لبنان

خطوات فعالة جداً للحفاظ على وجه القانون في نهر البارد. من جهة أخرى يجب احترام مرونة هذا القانون الذي يتأقلم مع الحاجة الإنسانية بهدف توصيل بنى تحتية متطورة لبيوت غير قانونيةونحن نتمنى كل التوفيق للجهد الكبير المنصّب بحثا عن حل قانوني لإعمار هذه البيوت المهدمة خلال السنوات المقبلة. ونرجو من أصحاب البيوت انتظار توصّل الجهات المختصة لحل قانوني في القريب العاجل بما يتلاءم مع الحاجات الإنسانية الملحة في نهر البارد

سادساً: يمنع الفلسطيني من العمل في التجارة في نهر البارد، وذلك لمساعدتنا في منع التهريب من المخيم في سبيل تحسين صورتنا في لبنان ويتحوّل نهر البارد إلى مكان حضاري وآمن. وبذلك، سيوضع حد لتجارة الأسلحة والمخدرات في لبنان، بما أن مصدرها الوحيد هو نهر البارد
ونحن نشكر الجهات المعنية التي اكتشفت البارود الذي كنا نخبئه ونأكله في المناقيش (وأنا كنت دوما أتساءل عن سبب طعمها الرديء)، ومصنع السلاح الذي كان يصدّر كل المتفجرات التي تبلي هذا البلد. كما نشكر السياسة الأمنية الذكية التي تمنع دخول اللبنانيين إلى الحاجز (إلا بعد فترة انتظار تصل إلى نصف ساعة على الحاجز). هذه السياسة تكشف اللبناني الذي «يدّعي» أنه آت لتصليح سيارته أو لشراء المناقيش أو ثياب العيد أو غيرها… فهو بالتأكيد له مآرب أخرى (كبيع البضائع المهربة، ونشر الإرهاب أو الهجوم على لاجئي نهر البارد).. نشكرهم على حمايتنا وخصوصاً أننا لسنا بحاجة إلى أي مردود من التجارة. فاليوم، وبعد تدمير المخيم، أصبحت كل عائلة تحصل على 70$ شهرياً كمعونات من الأونروا، وذلك كافٍ تماما

ونحن لا نحتاج أموالاً للطبابة، فالمجتمع الدولي يوفر للأونروا ما يكفي من المسكّنات كي يختفي وجع الرأس المسمّى فلسطين. أما أدوية الأمراض المستعصية، والعمليات الجراحية فليست ضرورية، إذ إنه من المهم ألا ننقذ كل هؤلاء المرضى بهدف خفض عددنا حتى لا تتوتر إسرائيل، فربما إذا كنا أقل، فسوف تسمح لنا بالعودة. وإذا ما كان لنا فيها نصيب، نصبح عبئاً أخف على لبنان ونكون “ضيوفا خفافا”. ومن حسنات هذه السياسة الذكية أنها منعت دخول وفود مثل طلاب الجامعة الأميركية إلى المخيم حتى بعدما انتظروا لمدة نصف ساعة على الحاجز، وتم إرسالهم إلى ثكنة تبعد نصف ساعة من المخيم، حيث انتظروا لمدة نصف ساعة إضافية للحصول على إذن للدخول لمرة واحدة فقط وبمرافقة عنصر من المخابرات. هذه الإجراءات الأمنية «والمسهلة» لدخول اللبنانيين، فعالة جداً إذ تضمن عدم تعرض الطلاب للفلسطينيين، أو العكس، لا سيما أنه يمكن الطلاب أن يكونوا أشد فتكاً من «فتح الإسلام» بمصير أهل المخيم. (ولا نريد أن نذكر طبعاً معاناة كل حالات الحمل والمرض والزواج والجنازات والأطفال على الحواجز. فالمريض مات والعروس طُلقت والميت قام! ونفضل عدم ذكر هذه الأحداث حتى لا نشوه صورة العسكر)
سابعاً: تمنع المؤسسات الفلسطينية الناشطة في مجالات: التربية والإغاثة والترميم والإعمار والصحة والقطاع الاجتماعي، من العمل في نهر البارد تحت طائلة المسؤولية
ويهدف هذا البند إلى مساواة فلسطينيي البارد بمواطنيهم في بقية المناطق اللبنانية. لمَ نرضى لأنفسنا بما هو محظور على سوانا؟
نحن نشكر الحكومة اللبنانية على مساواتنا ببقية الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات الأخرى أو خارجها. وبذلك، يمنع كل الفلسطينيين الذين يعملون في المؤسسات المعنية بسبب عدم انتمائهم إلى النقابات المهنية الرسمية، من ممارسة عملهم غير المسؤول والخارج عن القانون
ثامنا: يمنع الفلسطيني من التعاطي في السياسة في المخيمات
فالفلسطينيون لاجئون لا ينتخبون في فلسطين ولا في منظمة التحرير ولا في المخيمات. والمجتمع الدولي مهموم بحل «عقدة» اللاجئين وتفريغ المخيم من مضامينه السياسية ( depoliticizing the camps ) والسياسة هي سبب كل مشاكلنا، وإذا تخلصنا منها تخلصنا من المشاكل. يا ليتنا فكرنا في ذلك قبل عقود، وطلبنا تمويلاً من الغرب لدعمنا في تحقيق ذلك «وبدل ما عملنا ثورة في العام 1969، كنا عملنا ورشة عمل (ورك شوب)، وحليناها بطرق أخرى تخرج السياسة من الدم الفلسطيني». فالمقاومة إرهاب وممنوعة. والفلسطيني الممنوع من العمل في لبنان ليس له أمامه إلا الأونروا التي تشترط على موظفيها عدم الانخراط في تنظيمات سياسية وعدم التظاهر. إن شاء الله يتم تفريغ المخيم من السياسة قبل الانتهاء من إعماره. (ونستلم بذلك مخيما نظيفا خفيفا ومهضوما)
تاسعاً: يمــنع الفلســــطينيون من التـــظاهر والاحتجاج أمام المخيم بشأن موضوع الحاجز
ومن الغريب جداً أننا لليوم كفلسطينيين، وعوضا عن محاولة التأقلم والتجاوب مع الإجراءات الجديدة، لا نكف عن التظاهر ضدها. ومن الغريب أنه ما زال هناك مخربون يحثون أهل البارد والمخيمات الأخرى، وبالتنسيق مع أفراد لبنانيين مشبوهين، على القيام بأفعال من هذا النوع

وقد وصف مسؤولون مختلفون هذه التظاهرات بالسلبية والغوغائية والتخريبية. ولحسن الحظ أنه ما زال هناك أشخاص في نهر البارد لا يشاركون بنشاطات كهذه، مؤمنين بأن حقهم سوف يصلهم من خلال سهر الجهات المسؤولة على ملف نهر البارد. لماذا لا يفهم أهل البارد أن هذه الإجراءات قامت «لمصلحتهم ولحمايتهم ولضمان أمنهم»؟
ونود أن نشكر الجهات المعنية «المختصة» على استدعائها لمنظمي هذه التظاهرات بعد انتهائها واستجوابهم والتحقيق معهم و«نصحهم» (وبكل لطف) بأن يمتنعوا عن هذه الأفعال التخريبية. ويرجى من السلطات المعنية أن تأخذ كل التدابير اللازمة حيال هذا الموضوع ونشكر لهم حرصهم على أمننا والحفاظ على النظام على حواجز مخيمناأخيراً: أود الإشارة إلى أن القوانين والإجراءات ليست كلها إجراءات منع، ومن بينها ما «يسمح»، على سبيل المثال، بإنشاء مخافر للشرطة المجتمعية في نهر البارد، وذلك لمساعدتنا على تطبيق القانون في مخيمنا الذي يعاني من الفلتان. ولنعلم جميعا بأن نهر البارد كان السبّاق في «تطوير» مراكز من هذا النوع، سيتم لاحقا تعميمها في كل لبنان. فإن مهمة تدريب الشرطة المجتمعية، المعدة أميركياً، هي قضية في غاية الأهمية، لا سيما أن التقنيات التي ستستخدم في المخيم، تم تطويرها في أماكن كالعراق وغزة (وهي طبعاً، وكسائر المنتجات الأميركية تأتي مضمون النتائج لفترة سنة كاملة ( year guarantee )
ونعتذر من جميع اللبنانيين لأننا نافسناهم على تطبيق هذه البرامج، وحرمناهم أسبقية تنفيذها في المدن والقرى اللبنانية. ونشكر مجلس الوزراء لاتخاذه قرارات إنشاء قواعد عسكرية وبحرية في نهر البارد، لضمان سلامة أهل نهر البارد من الإرهابيين المتربصين بهم

يا أهالي مخيم نهر البارد

هذه القوانين وضعت لمصلحتنا، وهي مشجعة جدا لبقية أهلنا في المخيمات، والتي تترقب بحماسة وصول سلطة القانون إلى مخيماتهم. ومن حظنا أن نهر البارد هو المخيم الأول الذي حظي بهذا الشرف. فقط بعدما نطبّق كل هذه القوانين يمكننا أن نفكر بموضوع فلسطين والعودة

فليكن شعارنا من اليوم وصاعداً: الانصياع للقوانين في لبنان هو ضمان لتحقيق حق العودة
سوف أترك خلاصة ما ذكر أعلاه لقارئي هذه المقالة، لكن هدف هذا «النداء» كان الإجابة عن سؤال يتكرر على مسمعي يومياً: «ماذا يحصل اليوم في نهر البارد؟». هذا برأيي ما حصل بالأمس، ما يحصل اليوم، وما سوف يستكمل غداً في هذا المخيم ’النموذجي
أما بقية التفاصيل والأحداث التي تذكر في الصحف، فليست سوى نتائج وتفاصيل. فلنناقش الأسباب أولاً

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1539&articleId=1140&ChannelId=35822&Author=اسماعيل%20الشيخ%20حسن

15 Responses to “شـر البليـة مـا يضحـك؟ دليل القوانين والإجراءات الرسمية في مخيم نهر البارد”

  1. A vocal urban planner in prison after publishing an article: Ismael Shaikh Hassan arrested since two days! « Nahr el Bared Says:

    […] S.H. published an article in the Lebanese daily newspaper, Assafir, on 12 May 2010 criticizing the difficulties facing the […]

  2. Tweets that mention شـر البليـة مـا يضحـك؟ دليل القوانين والإجراءات الرسمية في مخيم نهر البارد « Nahr el Bared -- Topsy.com Says:

    […] This post was mentioned on Twitter by nightS and Hanibaael, Jamal Ghosn. Jamal Ghosn said: Nahr El Bared volunteer architect detained for writing this article http://tinyurl.com/2ch2m4b […]

  3. A curious incident on the way to the camp « Nahr el Bared Says:

    […] to revolt against it” in a public statement. He did write an article published on May 12 in As-Safir which he described as a satirical, ironic jab at all the stakeholders in the camp’s rebuilding […]

  4. i. nemer Says:

    The shame is that the writer of this article is beeing prosecuted for saying the truth…

  5. اقتباسات من الرأي العام حول اعتقال اسماعيل الشيخ حسن وانتهاك حرية التعبير « Nahr el Bared Says:

    […] المشردين على نحو يقارب العقوبة الجماعية (أنظر مقاله في جريدة “السفير” في 12 أيار 2010). ويخشى أن يكون توقيف […]

  6. BeirutBoy Says:

    Very sarcastic article…

    I still can’t believe the writer was arrested because of this.

    He was just speaking out. What’s so wrong with that?

  7. إذا رصاص و”أر بي جي” مع الإفطار، ليش معارضة الرز بالخبز؟ | شيش بيش Says:

    […] من التوقيف. فقد كان يأكل وجبة واحدة أثناء التوقيف بسبب مقالة كتبها عن نهر البارد. لو كان التوقيف لسبب غير، ربما بم […]

  8. إذا رصاص و”أر بي جي” مع الإفطار، ليش معارضة الرز بالخبز؟ | شيش بيش Says:

    […] من التوقيف. فقد كان يأكل وجبة واحدة أثناء التوقيف بسبب مقالة كتبها عن نهر البارد. لو كان التوقيف لسبب مختلق، ربما بم […]

  9. Warm solidarity from Leuven! 60 Belgian and international professors of Ismael, ex-students of him, colleagues, planners and concerned academics sign the petition to drop military charges « Nahr el Bared Says:

    […] without being able to see a lawyer or family and friends for three days, after writing an article critisizing the reconstruction process of Nahr el Bared and the security procedures around and […]

  10. Warm solidarity from Leuven! More than 60 Belgian and international professors of Ismael, ex-students of him, colleagues, planners and concerned academics sign the petition to drop military charges « Nahr el Bared Says:

    […] without being able to see a lawyer or family and friends for three days, after writing an article critisizing the reconstruction process of Nahr el Bared and the security procedures around and […]

  11. Warm solidarity from Leuven! More than 60 Belgian and international professors of Ismael, ex-students of him, colleagues, planners and concerned academics sign the petition to drop military charges-Updated « Nahr el Bared Says:

    […] without being able to see a lawyer or family and friends for three days, after writing an article critisizing the reconstruction process of Nahr el Bared and the security procedures around and […]

  12. Warm solidarity from Leuven! More than 70 Belgian and international professors of Ismael, ex-students of him, colleagues, planners and concerned academics sign the petition to drop military charges « Nahr el Bared Says:

    […] without being able to see a lawyer or family and friends for three days, after writing an article critisizing the reconstruction process of Nahr el Bared and the security procedures around and […]

  13. سكايز: “وقف التعقبات القضائية…واغلاق هذا الملف بشكل كامل ونهائي” في قضية حرية التعبير لاسماعيل الشيخ حسن « Nahr el Bared Says:

    […] لمدة ليلتين في سجن القبّة شمال لبنان بسبب كتابته مقالة صحافية عن عرقلة إعادة إعمار مخيم نهر البارد والإجراءات […]

  14. السفير: تواقيع عالمية وبيان لـ”سكايز” لإسقاط التعقبات بحق اسماعيل الشيخ حسن « Nahr el Bared Says:

    […] إلا أن المجتمع المدني وبعض الصحف الزميلة ردّتها إلى مقال نشره الشيخ حسن في «السفير»، بالإضافة إلى عدد من […]

  15. تقرير شهر آب لمركز “سكايز” في ما يتعلق بحرية التعبير لاسماعيل الشيخ حسن: مخابرات الجيش ليست جزءًا من الضابطة العدلية المخولة بالتحقيق Says:

    […] إعمار مخيم نهر البارد‘ إسماعيل الشيخ حسن على أثر مقال نشره في صحيفة ’السفير‘ اللنبانية بتاريخ 12/5/10 وردت فيه […]

Leave a comment